Almubasher : تحدث القادري... وصمت
نشر بتاريخ 18-03-2010
ابتلي الشارع العربي والإسلامي ببعض الدعاة الذين "تنازعهم" شفافية الدعوة إلى الحق، وتبيان الأبيض من الأسود؛ و"تأسرهم" وظائفهم الرسمية. ولذلك يلجؤون إلى الإمساك بالعصا من النصف؛ حتى يبقوا في دائرة "المتشابهات" ولا يمكن أن يُرصد ضدهم موقف قد يخسرون فيه.
وللأسف، عندما تكون هنالك حاجة ماسة لموقف فقهي أو "فتوى" محددة تجاه ظاهرة من الظواهر الإسلامية "المخُتلف عليها" نجدهم يلوذون بالصمت.
ولقد خرج عن هذا المألوف -الذي اتخذ أسلمة السياسة أو تسييس الإسلام- العالم الشيخ محمد طاهر القادري رئيس حركة "منهاج القرآن"، وهي حركة دعوية صوفية تدعو إلى محاربة التطرف الديني، وللحركة عشرات المراكز في كل من باكستان وبريطانيا.
نعم خرج هذا الرجل ليعلن موقفه الصريح على الملأ في مؤتمر صحفي بلندن، حيث قال بكل وضوح؛ إن الإرهابيين أعداء الإسلام، وإن الانتحاريين لن يدخلوا الجنة ولن يشموا ريحها. وأضاف في مقابلة مع جريدة "الشرق الأوسط" (5/3/2010)؛ أن الانتحاريين سيذهبون إلى النار، ومصيرهم الجحيم، لأنهم يقتلون البشر، ويقتلون النساء والأطفال والشيوخ والأبرياء. إنهم يقتلون غير المحاربين، ولذا فسيذهبون إلى جهنم. واستشهد الشيخ القادري بحديث شريف يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفساً معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها".
كما أنهم (يعني منظري "القاعدة") غلاة متشددون شوهوا صورة الدين الحنيف.
لن ندخل في تفسير فقهي لموقف الشيخ القادري، لأن ذلك ليس من تخصصنا، لكننا سوف نتحدث عن جزئية سيكولوجية تتعاطاها الجماعات الإرهابية؛ وتعزف عليها ألحانها الشاردة، وهي دغدغة عواطف الشباب بالحديث عن ربط قتل الذات والآخر بدخول الجنة و"الاستمتاع" بالحور العين.
فالشباب المُحبط -الذي يعيش حرماناً جنسياً، ووظيفياً، وربما لا يستطيع الزواج، يقع ضحية سهلة لهؤلاء الذين قد يجيدون تنميط الكلام. والتأثير النفسي على المتلقين من ذوي النفوس الضعيفة مرة بالترغيب ومرة بالترهيب، حتى يضيق الشاب نفساً بالحياة أو الدنيا، ويقع تحت تأثير حديثهم عن الحور العين! فيتخيل نفسه ينهض عند واحدة ليدخل على أخرى، ولكأن الشهادة تحتاج إلى مكافأة "حسية" غير رضا الله أو طعام الجنة والخلود فيها!
إن خوارج اليوم -الذين أسماهم الشيخ القادري- هم من يقومون بغسل أدمغة الشباب، بدلاً من هدايتهم نحو التعليم وإعمار بلدانهم ورعاية عائلاتهم. أو تشجعهم على إقامة عائلات طيبة تدر ذرية صالحة -كما يقول الدعاء- ويركزون على الغريزة الجنسية المغيبة، التي لا يعلمها إلا الله، سبحانه وتعالى، في ربط سيكولوجي غريب ولكأن الجنس صنو الشهادة!
لقد دبر "الخوارج الجدد" أعمال تفجير لمبان في أميركا وبريطانيا فقتل نتيجة ذلك الآلاف من الأبرياء دون حق، ولم يُدن ذاك العمل المشين، ولم ينتقد بصراحة، بل لم يخرج من ينتقد ربط العمل بدخول الجنة، وصمت كثيرون على تلك "الغزوة" التي قتلت أرواحاً بريئة لا دخل لها في السياسة الأميركية أو البريطانية!
وقبل ذلك وبعده قام "الخوارج الجدد" بتفجير المساجد في بيشاور، وغيرها من المدن الباكستانية، كما يفعلون يومياً في العراق وفعلوا قبلها في عمّان والرياض. ونحن نستغرب ما دخل المساجد أو الفنادق -التي تشهد أعراساً على سنة الله ورسوله- كي تكون طريق "الشهداء" المزعومين إلى "الجنة"، وطريقهم نحو الالتقاء بالحور العين؟!
إن الشهداء الحقيقيين وصفهم القرآن الكريم والحديث الشريف، بدقة وصراحة، وهم من يسقطون في معركة عادلة ضد الأعداء، دفاعاً عن النفس أو الأرض، أو العرض أو المال.
ولكن أولئك المتعطشين للحور العين يجبنون أن يدخلوا معارك حقيقية كما دخلها حمزة بن عبدالمطلب وخالد بن الوليد و أبوعبيدة الجراح، رضي الله عنهم؟
إن معارك "الخوارج الجدد" تكون دوماً في الظلام، وضد النساء والأطفال والشيوخ، الذين لا يستطيعون حمل السلاح، بل ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم.
والأنكى في الأمر أنهم يزعمون كونهم من المسلمين! وقتل المسلم للمسلم حرام شرعاً؟! فأين علماؤنا من هذه الهجمة الشرسة على تعاليم الدين الحنيف؟! وأسس الدين؟! ولماذا -ربما من أجل عيون السياسة- يصمت المتحدثون "الملعلعون" المفوهون؟! ولماذا من أجل الراتب ونعماء الوظيفة والوجاهة الاجتماعية، تمر الأحداث الجسام على الآمنين وهؤلاء وأولئك في صمت مطبق؟!
لقد حرّك الشيخ القادري مياهاً أرادوها راكدة مدى الدهر، حتى يتقهقر الإسلام ويتشوه، وتبهت صورته، ويُربط ربطاً وثيقاً بالقتل والعنف والكراهية، والإسلام قطعاً بعيد عن كل ذلك!
نعم، لقد حرّك القادري تلك المياه، ولم يخف من الاغتيال أو من ضياع مصالحه السياسية والاجتماعية. وقد شهد الشيخ القادري بأن هنالك أكثر من 60 عالماً ممن قُتلوا خلال العشرين سنة الماضية على يد الإرهابيين، نتيجة مواقفهم المنددة بالأعمال الإرهابية، ولكن للأسف، يزداد الصامتون في العالم العربي، ويتنعمون بأفياء الأنظمة وشاشاتها المغرية، وتكمم السياسة أفواههم، فهم لا ينطقون!
Source : http://www.almubasher.net/articles.php?action=show&id=21825
Comments